الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أي: حِزامي.{مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}.قوله: {مُّتَّكِئِينَ مُتَقَابِلِينَ}: حالان من الضمير في {على سُرُر} ويجوز أَنْ تكونَ حالًا متداخلةً، فيكون {متقابلين} حالًا من ضمير {متَّكئين}.{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)}.قوله: {يَطُوفُ}: يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا، وأنْ يكون استئنافًا.{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)}.و{بأكْواب} متعلقٌ بـ: {يَطُوف}. والأباريق: جمع إبْريق، وهو مِنْ آنيةِ الخَمْر قال: وقال عدي بن زيد: وقال آخر: ووزنُه إفْعيل لاشتقاقِه مِنْ البَريق والإِبريقُ ما له خُرطومٌ. قال بعضهم: وأُذُنٌ. وتقدَّم تفسيرُ الأكواب.{لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)}.قوله: {لاَّ يُصَدَّعُونَ}: يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفة أخبر عنهم بذلك، وأن تكونَ حالًا من الضمير في {عليهم} ومعنى لا يُصَدَّعون عنها أي: بسببها. قال الزمخشري: وحقيقتُه: لا يَصْدُرُ صُداعُهم عنها. والصُّداع: هو الداءُ المعروفُ الذي يَلْحَقُ الإِنسانَ في رأسِه، والخمر تؤثِّر فيه. قال علقمة بن عبدة في وصف الخمر: ولما قرأت هذا الديوان على الشيخ أثير الدين أبي حيان رحمه الله قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقال لي: لَمَّا قرأتُه على الشيخ أبي جعفر ابن الزبير قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقيل: {لا يُصَدَّعون}: لا يُفَرَّقون كما يتفرَّق الشَّربُ عن الشَّراب للعوارض الدنيوية. ومِنْ مجيء تَصَدَّعَ بمعنى تَفَرَّق قوله: (فتصدَّع السحابُ عن المدينة)، أي: تفرَّق. ويُرَجِّحه قراءة مجاهد {لا يَصَّدَّعون} بفتح الياءِ وتشديد الصادِ. والأصلُ: يَتَصَدَّعون، أي: يتفرَّقون كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43]. وحكى الزمخشري قراءة وهي {لا يُصَدِّعون} بضم الياء وتخفيفِ الصادِ وكسرِ الدال مشددةً. قال: أي لا يُصَدِّعُ بعضُهم بعضًا، أي: لا يُفَرِّقُونهم. وتقدَّم الخلافُ بين السبعة في {يُنزِفُونَ} وتفسيرُ ذلك.وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء وكسر الزاي مِنْ نَزَفَ البِئْرُ، أي: اسْتُقِيَ ما فيها. والمعنى: لا تَنْفَدُ خمرُهم. قال الشيخ: وابن أبي إسحاق أيضًا، وعبد الله والجحدريُّ والأعمش وطلحة وعيسى، بضمِّ الياء وكسر الزاي أي: لا يَفْنى لهم شراب. قلت: وهذا عجيبٌ منه فإنَّه قد تقدَّم في الصافات أن الكوفيين يَقْرَؤون في الواقعة بكسر الزاي، وقد نقل هو هذه القراءة في قصيدته.{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)}.قوله: {وَفَاكِهَةٍ}: العامَّةُ على جَرِّ {فاكهة ولحم} نَسَقًا على {أكواب} أي: يطوفون عليهم بهذه الأشياء: المأكول والمشروبِ والمتفكَّهِ به، وهذا كمالُ العِيشةِ الراضيةِ. وقرأ زيد بن علي وأبو عبد الرحمن برفعهما، على الابتداء، والخبرُ مقدَّرٌ أي: ولهم كذا.{وَحُورٌ عِينٌ (22)}.قوله: {وَحُورٌ} قرأ الأخَوان بجرِّ {حور عين}. والباقون برفعِهما. والنخعيُّ: {وحِيرٍ عين} بقلب الواو ياءً وجرِّهما، وأُبَيٌّ وعبد الله {حُوْرًا عينًا} بنصبهما. فأمَّا الجرُّ فمن أوجه، أحدها: أنه عطفٌ على {جَنَّاتِ النعيم} [الواقعة: 12] كأنه قيل: هم في جنات وفاكهة ولحمٍ وحورٍ، قاله الزمخشري. قال الشيخ: وهذا فيه بُعْدٌ وتفكيكُ كلامٍ مرتبطٍ بعضُه ببعض، وهو فُهْمُ أعجمي. قلت: والذي ذهب إليه معنى حسنٌ جدًا، وهو على حَذْفِ مضافٍ أي: وفي مقاربة حور، وهذا هو الذي عناه الزمخشري. وقد صرَّح غيرُه بتقدير هذا المضاف. الثاني: أنه معطوفٌ على {بأكواب} وذلك بتجوُّزٍ في قوله: {يطُوفُ} إذ معناه: يُنَعَّموْن فيها باكواب وبكذا وبُحور، قاله الزمخشري. الثالث: أنه معطوفٌ عليه حقيقةً، وأن الوِلْدانَ يَطُوفون عليهم بالحور أيضًا، فإن فيه لذةً لهم، طافُوا عليهم بالمأكولِ والمشروبِ والمُتَفَكَّهِ بعد المنكوحِ، وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء وقطرب. ولا التفات إلى قول أبي البقاء: عطفًا على أكواب في اللفظ دون المعنى؛ لأنَّ الحوَر لا يُطاف بها.وأمَّا الرفعُ فمِنْ أوجهٍ أيضًا، عطفًا على {ولْدانٌ}، أي: إنَّ الحورَ يَطُفْنَ عليهم بذلك، كما الوَلائدُ في الدنيا. وقال أبو البقاء: أي: يَطُفْنَ عليهم للتنعُّمِ لا للخدمة. قلت: وهو للخدمةِ أبْلَغُ؛ لأنهم إذا خدمهم مثلُ أولئك، فما الظنُّ بالمَوْطوءات؟ الثاني: أَنْ يُعطفَ على الضمير المستكنِّ في {مُتَّكِئين} وسَوَّغ ذلك الفصلُ بما بينهما. الثالث: أَنْ يُعْطفَ على مبتدأ وخبر حُذِفا معًا تقديرُه: لهم هذا كلُّه وحورٌ عين، قاله الشيخ، وفيه نظر؛ لأنَّه إنما عُطِف على المبتدأ وحدَهُ، وذلك الخبرُ له ولِما عُطِف هو عليه.الرابع: أَنْ يكونَ مبتدًا، خبرُه مضمرٌ تقديرُه: ولهم، أو فيها، أو ثَمَّ حورٌ. وقال الزمخشري على وفيها حُوْرٌ كبيت الكتاب: الخامس: أن يكونَ خبرًا لمبتدأ مضمر، أي: نساؤهم حورٌ، قاله أبو البقاء. وأمَّا النصبُ ففيه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ بإضمارِ فِعْل، أي: يَعْطَوْن، أو يَرِثُون حُوْرًا، والثاني: أن يكونَ محمولًا على معنى: يَطوف عليهم؛ لأن معناه يُعْطَوْن كذا وكذا فعطف عليه هذا. وقال مكي: ويجوز النصبُ على أَنْ يُحْمَلَ أيضًا على المعنى؛ لأنَّ معنى يَطوفُ وِلْدانٌ بكذا وكذا يُعْطَوْن كذا وكذا، ثم عطف حورًا على معناه. فكأنه لم يَطَّلعْ عليها قراءة.وأمَّا قراءة {وحِيْرٍ} فلمجاورتها {عين} ولأنَّ الياءَ أخفُّ من الواو، ونظيرهُ في التغيير للمجاورة: (أَخَذَه ما قَدُم وما حَدُث) بضم دال (حَدُث) لأجل (قَدُم) وإذا أُفْرِد منه فَتَحْتَ دالَه فقط، وقوله عليه السلام:«وربِّ السماوات ومَنْ أَظْلَلْنَ ورَبِّ الشياطين ومَنْ أَضْلَلْنَ» وقوله عليه السلام: «أيتكنَّ صاحبةُ الجمل الأَرْبَب تَنْبَحُها كلابُ الحَوْءَب» فَكَّ (الأَرْبَبَ) لأجل (الحَوْءَب).وقرأ قتادة {وحورُ عينٍ} بالرفع والإِضافة لـ: {عين} وابن مقسم بالنصب والإِضافةِ وقد تقدَّم توجيهُ الرفع والنصب. وأمَّا الإِضافةُ فمِنْ إضافة الموصوف لصفته مؤولًا. وقرأ عكرمةُ {وحَوْراءَ عَيْناءَ} بإفرادِهما على إرادةِ الجنس. وهذه القراءة تحتمل وجهَيْن: أحدهما: أَنْ تكونَ نصبًا كقراءة أُبَيّ وعبد الله، وأن تكونَ جرًَّا، كقراءة الأخوَيْن؛ لأن هذين الاسمَيْن لا ينصرفان فهما محتملان للوجَهْين. وتقدَّم الكلام في اشتقاق العِين.{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}.و {كَأَمْثَالِ} صفةٌ أو حالٌ. و{جزاءً} مفعول من أجله، أو مصدر، أي: يُجْزَوْن جزاءً.{إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)}.قوله: {إِلاَّ قِيلًا}: فيه قولان، أحدهما: أنه استثناءٌ منقطعٌ وهذا واضحٌ؛ لأنه لم يندَرِجْ تحت اللَّغْو والتأثيم. والثاني: أنه متصلٌ وفيه بُعْدٌ، وكأن هذا رأى أن الأصلَ لا يَسْمعون فيها كلامًا فاندرَج عنده فيه. وقال مكي: وقيل: منصوبٌ بيَسْمعون. وكأنه أرادَ هذا القول.قوله: {سَلاَمًا سَلاَمًا} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه بدلٌ مِنْ {قيلًا} أي: لا يسمعُون فيها إلاَّ سلامًا سلامًا. الثاني: أنه نعتٌ لقِيلا. الثالث: أنه منصوبٌ بنفس {قيلًا} أي: إلاَّ أَنْ يقولوا: سلامًا سلامًا، هو قول الزجَّاج. الرابع: أَنْ يكونَ منصوبًا بفعلٍ مقدرٍ، ذلك الفعلُ مَحْكِيٌّ بـ: {قيلًا} تقديره: إلاَّ قيلًا اسْلَموا سَلامًا.وقرئ: {سَلامٌ} بالرفع قال الزمخشري: على الحكاية. قال مكي: ويجوزُ في الكلام الرفعُ على معنى: سلامٌ عليكم، ابتداءٌ وخبرٌ. وكأنه لم يَعْرِفْها قراءة.{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)}.قوله: {مَّخْضُودٍ}: المخضودُ: الذي قُطِع شَوْكُه، مِنْ خَضَدْتُه أي: قَطَعْتُه. وقيل المُوْقَرُ من الحَمْل حتى لا يَتَبَيَّن ساقُه وتَنْثَنِيَ أغصانُه مِنْ خَضَدْت الغصنَ أي ثنيْتُه. قال أمية بن أبي الصلت: والطَّلْحُ: جمع الطلحةُ وهي العظيمةُ من العِض اهـ. وقيل: هي أم غَيْلان. قال مجاهد: ولكنَّ ثمرَها أَحْلى من العسل. وقيل: هو المَوْزُ. ومعنى مَنْضود أي: متراكبٌ. وفي التفسير: لا يُرى له ساقٌ مِنْ كثرةِ ثمرِه. وقرأ علي رضي الله عنه وعبد الله وجعفر بن محمد {وطَلْع} بالعين، ولمَّا قرأها علي رضي الله عنه قال: وما شَأْنُ الطَّلْح؟ واستدلَّ بقوله: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} [ق: 10] فقيل له: أنُحَوِّلُها؟ فقال: آيُ القرآن لا تُهاجُ اليومَ ولا تُحَوَّلُ. ويُرْوى عن ابن عباس مثلُه. ومَسْكوب: أي مَصْبُوبٌ بكثرةٍ. وقُرِىءَ برفع {فاكهة} أي: وهناك، أولهم، أو فيها، أو ثَمَّ فاكهة.{لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)}.قوله: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ}: فيه وجهان، أظهرهُما: أنه نعتٌ لفاكهة {ولا} للنفي، كقولك: (مَرَرْتُ برجلٍ لا طويلٍ ولا قصير) ولذلك لزم تكرارُها. والثاني: هو معطوفٌ على فاكهة، و(لا) عاطفةٌ قاله أبو البقاء. وحينئذٍ لابد مِنْ حَذْفِ موصوفٍ أي: لا فاكهةٍ مقطوعةٍ؛ لئلا تُعْطَفَ الصفةُ على موصوفِها.{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)}.قوله: {وَفُرُشٍ}: العامَّةُ على ضمِّ الراء جمع فِراش. وأبو حيوة بسكونها وهي مخففةٌ من المشهورة. والفُرُشُ قيل: هي القماشُ المعهودُ. ومرفوعة على الأَسِرَّة. وقيل: هي كنايةٌ عن النساءِ، كما كُنِي عنهنَّ باللِّباس، قاله أبو عبيدة وغيرُه. قالوا: ولذلك أعاد الضميرَ عليهنَّ في قوله: {إنَّا أنشأناهنَّ}. وأجاب غيرُهم: بأنه عائدٌ على النساءِ الدالِّ عليهنَّ الفُرُشُ. وقيل: يعودُ على {حُور} المتقدمة. وعن الأخفش: هُنَّ ضميرٌ لمَنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، يعني يدلُّ عليه السِّياقُ.{عُرُبًا أَتْرَابًا (37)}.قوله: {عُرُبًا}: جمع عَروب كصَبور وصُبُر. والعَرُوْب: المتحبِّبة إلى بَعْلِها. وقيل: الحسناءُ. وقيل: المُحْسِنة لكلامها. وقرأ حمزة وأبو بكر بسكونِ الراء، وهذا كرسُل ورُسْل، وفُرُش وفُرْش، وقال ابن عباس: هي العواتِقُ. وأنشد للبيد: قوله: {أَتْرَابًا} جمع تِرْب وهو المساوي لك في سِنِّك؛ لأنَّه يَمَسُّ جِلْدَهما الترابُ في وقتٍ واحد، وهو آكد في الائتلافِ، وهو من الأسماءِ التي لا تتعرَّفُ بالإِضافةِ لأنه في معنى الصفةِ، إذ معناه: مُساويك، ومثلُه (خِدْنُك) لأنَّه في معنى صاحبك.{لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)}.قوله: {لأِّصْحَابِ اليمين}: في هذه اللامِ وجهان؛ أحدهما: أنها متعلِّقةٌ بـ: {أَنْشَأْنَاهُنَّ} أي: لأجل. والثاني: أنها متعلقةٌ بـ: {أَتْرابًا} كقولك: هذا تِرْبٌ لهذا أي: مُساوٍ له.{وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)}.واليَحْموم وزنه فَيْعول. قال أبو البقاء: مِنْ الحِمَم أو الحَميم. واليَحْموم قيل: هو الدُّخان الأسود البهيم. وقيل: وادٍ في جهنم. وقيل: اسمٌ من أسمائها، والأولُ أظهرُ.{لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)}.قوله: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ}: صفتان للظلِّ كقوله: {من يَحْموم}. وفيه أنه قد قَدَّم غيرَ الصريحة على الصريحة، فالأَوْلَى أن يُجْعَلَ صفةً ليَحْموم، وإن كان السياقُ يُرْشِدُ إلى الأول.وقرأ ابنُ أبي عبلة {لا باردٌ ولا كريمٌ} برفعهما أي: هو لا باردٌ كقوله:
|